قصة ابو الرووس واقعيه

كان في احدى مدن المملكة منذ خمسين عاماً رجل يسمى " ابو الرؤوس " وكان لتسميته بذلك سبب طريف , عند زيارتك السوق الرئيسي قديماً , فربما وجدت أمام باب " المقصبة " رجلاً رث الهيئة مشعث الشعر والهندام يحمل بين يديه رأس ملفوفاً في قرطاسة اسمنت وقد بان بعض الرأس من طرف القرطاسة , كان هذا دأبه مرتين في الأسبوع , يشتري الرؤوس ويحملها الى بيته , لهذا السبب دعوه " أبا الرؤوس " .

ولم يكن فقيراً بل بالعكس كان ثرياً جداً بمقياس تلك الايام : بستاناً وعدداً من البيوت التي يؤجرها , وكان ايضاً يدين الناس العشر بثلاث عشر والعشر بخمس عشر والعشر بعشرين حسب التسهيل والعميل .

ولكنه مع هذة الثروة الطائلة يعيش حياة الفقراء البائسين : يقطن في أسوأ بيوتة التي يملكها ويؤجر الجيدة للآخرين , ويقتر على زوجته وأولاده , ولا يشتري لهم اللحوم لارتفاع ثمنها , وإنما يكتفي بشراء الرؤوس ذات الثمن المنخفض , ويحاول إقناع زوجته وأولاده بأن كل الطيبات في الرأس .

وكان الجميع – جيرانه والجزارون الذين يشتري منهم وحتى زوجته وأولاده – يحسون أن رائحته عفنه , ولاغرابه في ذلك , فالبخيل في كل زمان ومكان يحس الناس أنه ذو رائحه كريهه , وهي رائحه البخيل الذي يفوح من عينه وكلماته وتصرفاته , لذلك كان البخل ولا يزال هو الخصله الوحيده التي تجعل أهل الرجل يتمنون موته , إنهم لا يتمنون ذلك أبداً إزاء أب طيب فقير لأنهم يعرفون أنه لا ذنب له في فقره وأن هناك أملاً بتحسن الوضع , ولكن الأمر يختلف مع الأب الثري الشحيح فإنه يصبح مصدر سبة وعذاب لزوجته وأولاده ويبقى الأمل الوحيد معلقاً بموته .
المهم أن " أبا الرؤوس " هذا جعل أسرته تعيش في حمأة البؤس , بينما شغل هو بعباده المال وكنزه فما دخل كيسه من ريال فلن يرى النور أبداً إلا في ديّن يصير الريال ريالين , وكان يطار المدينين من مكان الى آخر .

وفي ذات يوم ذهب " أبو الرؤوس " إلى مدينه مجاورة يبحث عن رجل ساكن هناك حلّ عليه ديّن , فصلى معه في مسجد صلاة العصر فلم يجده , واستخسر أن يرجع الى بيته فنام في المسجد إلى أن أذن المغرب , ولم يضر صاحبه أيضاً , فصلى أبو الرؤوس وخرج وجلس عند باب السجد بائساً جائعاً متعباً , فرآه رجل من الجماعة فظنّه – وهيئته توحي بذلك – شحّاذاً من الشحاذين , فعطف عليه ودعاه لتناول العشاء معه , فنهض " أبو الرؤوس " فرحاً بهذه الدعوه المجانيه .
وعلى المائدة تفرس " أبو الرؤوس " في ملامح مضيفه وأخذ يفكر فيه : فهو قوي وسيم وغني , فبيته من أفضل البيوت , وفرشه من أجمل الفرش , ومائدته من أشهى الموائد , فلعله – قال " أبو الرؤوس " في نفسه – من المترفين المسرفين الذين يحتاجون إلى الدّين بين حين وآخر فيكون زبوناً " دسماً " له , لهذا سأله " أبو الرؤوس " :

* ما هو اسمك واين تعمل ؟
فقال الرجل باسماً :
- يدعونني " أبو قضاب " وليس لي عمل !
* فقلب " أبا الرؤوس " عينيه فقال : ومن وين تأتي بالفلوس ؟
- فقال الرجل : آتي بها من الأرامل الغنيات .
* فقال " أبو الرؤوس " كيف !!! ؟
وأحدب بضهره يتابع حديث صاحبه الذي قال :
- الأمر بسيط كلما ذكر لي أن غنياً توفي وترك لأرملته ثروة , تقدمت لخطبه هذه الأرمله فاستمتعت بها وبثروتها خاصه إذا كان زوجها الراحل بخيلاً يجمع القرش على القرش , فإنه يخدمني مرتين : مرة بالثروة التي جمعها لي بحرص كلب الصيد , ومرة بكراهية زوجته له بسبب بخله , فأرث منه بكراً لم تمسسها يده , وأرث منه زوجه بكراً لم يخفق قلبها يوماً بحبه , فأذيق زوجته طعم الحب الصحيح , وأذيق ثروته ويلات الوارث السفيه , وأنا الآن في أنتظار وفاه رجل اسمه " أبو الرؤوس " سمعت عنه من الناس أنه أغنى الناس وأبخل الناس , وهذه بغيتي المشتهاة انتظر نبأ وفاته لأخطب امرأته وأخطف ثروته .

!!!!!!!!!! * فذعر " أبو الرؤوس " واصفّر وجهه * !!!!!!!!!!

* فسأله مضيفه قائلاً : ما بك يا صاحبي أصفر وجهك ؟ !
- فقال " أبو الرؤوس " : " بطني يوجعني " عن أذنك ياأخوي !!!

ونهض كالملدوغ فاستأجر سيارة لأول مرة في حياته ومر بالسوق فاشترى ذبيحه كامله وملأ السيارة بكل مالذ وطاب وبأغلى الأثمان وخفّ بها إلى بيته ولم يصدق ضغارة عيونهم حين رأوا أباهم يستقل بسيارة وزاد استغرابهم حين رأوا ما معه من خيرات لم يتعودوا عليها أبداً فتحلقوا حول السيارة والأرزاق تنزل وتدخل في البيت وبدأت زوجته مندهشه , وأحس " أبو الرؤوس " لأول مرة في حياته بالسعادة , حين رآى الفرحه على أولاده وزوجته .
* زوجته التي ضحكت ملامحها وهي تسأله :
* ما هي هذه الأرزاق ؟
فقال : " ما بعد شفتي شئ ! " ابشري بالذهب " اليوم ما امداني " هذي سيارة مستأجرة وغداً اشتري لكم أحسن سيارة وأحسن قصر !!!!!
* صرخت زوجته من السعادة والاستغراب والأسباب !!!؟
فقال " أبو الرؤوس " مغمغماً : " الأسباب عند أبو قضاب " !!!!




مـــــــنــــــقول
**** " اللهم أني أعوذبك من البخل "****